أيها العاشق معنى حُسننا... مهرنا غالٍ لمن يطلبنا



 أيها العاشـق معنى حُسنِنا ... مهرنا غالٍ لمن يــــطلبنا

جسدٌ مضنى وروحٌ فى العنا ... وجفون لا تذوقُ الوسـنا

وفــــــؤادٌ ليـــس فيـه غـيـرنا ... فإذا ما شئت أدِ الـــثمنا

فافنِ إن شئت فناءً ســرمداً ... فالفنا يُدني إلى ذاك الغِنا

واخلع النعلين إن جئـت إلى ... ذلك الحي ففيه قدسنا 

وعن الكونين كــــن منخــلعا ... وأزل ما بيننا، مـــن بيننا 

واذا قيل من تهـــوى فقل أنا ... من أهوى ومن أهوى أنا


من أشعار سلطان العلماء

سيدنا العز بن عبد السلام

رضي الله عنه


هذه الأبيات تتسم بجمالها العميق وعمقها الروحي. يبدو أن مضمونها يعبر عن حب صوفي متعالٍ، حيث يشير إلى الاتحاد الروحي بين العاشق والمعشوق، ويتطلب من العاشق التضحية التامة والفناء في الحب للوصول إلى الحقيقة العليا.



تحليل الابيات 


 البيت الأول والثاني:

"أيها العاشق معنى حُسننا... مهرنا غالٍ لمن يطلبنا  

جسدٌ مضنى وروحٌ في العنا... وجفون لا تذوقُ الوسنا"


   في هذه الأبيات، يتحدث المحبوب (المعشوق) إلى العاشق، ويوضح أن الوصول إلى جماله ومعناه العميق (الحُسن الحقيقي) ليس بالأمر السهل.  

   يشير إلى أن "المهر" للوصول إليه هو باهظ جدًا، فهو يتطلب المعاناة الجسدية والنفسية، حيث يصبح الجسد منهكًا، والروح تعيش في حالة من العناء والسعي المستمر.  

   "وجفون لا تذوق الوسنا" تعني أن العاشق يضحي براحة الجسد والنوم، فهو دائم السهر مشغول بحب محبوبه، لا يعرف الراحة أو النوم من شدة شوقه.


 البيت الثالث والرابع:

"وفؤادٌ ليس فيه غيرنا... فإذا ما شئت أدِ الثمنا  

فافنِ إن شئت فناءً سرمداً... فالفنا يُدني إلى ذاك الغِنا"


   يوضح المحبوب هنا أن القلب الذي يحمل الحب الحقيقي يجب ألا يحتوي على أي شيء آخر سوى المحبوب. أي أن الحب يتطلب إخلاصًا مطلقًا، فلا مكان لشيء أو شخص آخر.  

   الثمن المطلوب هو "الفناء"، بمعنى أن العاشق يجب أن يفنى تمامًا في حب محبوبه، ويتخلى عن ذاته ورغباته الشخصية.  

   يشير "الفناء سرمدًا" إلى حالة دائمة من الذوبان في المحبوب، حيث يتلاشى العاشق تمامًا ويصبح متحدًا مع معشوقه.  

   ويؤكد أن هذا الفناء هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى "الغنى"، وهو الكمال أو الاتحاد بالمحبوب.


 البيت الخامس والسادس:

"واخلع النعلين إن جئت إلى... ذلك الحي ففيه قدسنا  

وعن الكونين كن منخلعًا... وأزل ما بيننا، من بيننا"


   "اخلع النعلين" تلميح قرآني إلى قصة النبي موسى عليه السلام عند الوادي المقدس، وهو أمر رمزي يشير إلى ضرورة التخلي عن كل ما يرتبط بالمادة أو الدنيا عند الاقتراب من المحبوب أو الدخول في حضرته.  

   "ذلك الحي" يمكن أن يُفهم كرمز للذات الإلهية أو المكان المقدس حيث يكون اللقاء الروحي بالمحبوب.  

   "وعن الكونين كن منخلعًا" تعني أن العاشق يجب أن يتحرر من التعلقات بكل ما هو دنيوي (الكونين: الدنيا والآخرة)، بحيث لا يبقى في قلبه إلا المحبوب.  

   "وأزل ما بيننا، من بيننا" تعني إزالة كل الحواجز بين العاشق والمعشوق، سواء كانت مادية أو معنوية، حتى يتحقق الاتصال التام بينهما.


 البيت السابع:

"وإذا قيل من تهوى فقل أنا... من أهوى ومن أهوى أنا"


   يصل العاشق هنا إلى قمة الاتحاد مع المحبوب، حيث تزول تمامًا الفروق بينهما.  

   "أنا من أهوى ومن أهوى أنا" تعبر عن حالة من الانصهار التام بين العاشق والمعشوق، بحيث يصبحان كيانًا واحدًا.  

   هذه الفكرة شائعة في الشعر الصوفي، حيث يتحدث عن الاتحاد الروحي الذي يتجاوز حدود الذات الفردية.



 الخلاصة:

هذه الأبيات تعبر عن فلسفة صوفية عميقة تقوم على الحب الإلهي أو الحب الروحي السامي. المحبوب هنا ليس شخصًا عاديًا، بل هو رمز للكمال أو الحقيقة المطلقة. العاشق يُطلب منه أن يتخلى عن كل شيء، بما في ذلك ذاته، ليصل إلى حالة الاتحاد بالمحبوب.


شارك الموضوع